أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

زاد الأئمة : الإصدار (31) لـ خطبة الجمعة القادمة : فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً

فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً

زاد الأئمة : وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي الإصدار (31) لـ خطبة الجمعة القادمة حول : فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً، بتاريخ 28 جمادى الثانية 1447هـ الموافق 12 ديسمبر 2025م.

ننفرد بنشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً ، بصيغة WORD

ننشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : فَظَلِلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً، بصيغة pdf

 
الإصدار (31) من سلسلة ” زاد الأئمة والخطباء: الدليل الإرشادي لخطب الجمعة”
استمراراً لما انتهجته وزارة الأوقاف مؤخراً من التيسير على السادة الأئمة والخطباء ودعماً لنماء زادهم العلمي والفكري والمعرفي نقدم هذا الإصدار من تلك السلسلة التي هي عبارة عن بحث موسع يجمع الشواهد والمعاني التي يمكن للخطيب أن يديم النظر فيها طوال الأسبوع، لتعينه على الإعداد الجيد لخطبته، وإتقان تناوله للموضوع، وزيادة عمقه وأصالته، وربط نصوص الشريعة بالواقع المعيش، حتى إذا صدرت الخطبة في موعدها المعتاد يوم الأربعاء من كل الأسبوع في صورتها النهائية المركزة المختصرة، يكون الخطيب قد هضم موضوعه وخالطه وعايشه، بما يحقق استيعاب الخطبة النهائية وأداءها على النحو المأمول.
وتهيب وزارة الأوقاف بكل أبنائها إلى التوسع في القراءة الواعية المستوعبة لكل ميادين الحياة واهتماماتها، وامتلاك الثقافة الواسعة التي تعينهم على أداء دورهم الديني الوطني على أكمل وجه.

 

ولقراءة زاد الأئمة والخطباء.. لـ خطبة الجمعة القادمة :

 

 

الهدف من الخطبة: التوعية بقدسية المال العام وحرمته ووجوب الحفاظ عليه.

الخطبة الثانية: التفكك الأسري

الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، وأصلي وأسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن من بديع ما زخر به تراثنا العريق، ما رواه لنا الإمام الخطيب البغدادي عن أبي بكر الحربي أنه قال: سمعت السَّريَّ السَّقَطيَّ رضي الله عنه يقول: حمدت الله مرة، فأنا أستغفر الله من ذلك الحمد منذ ثلاثين سنة!

قيل: وكيف ذاك؟! قال: كان لي دكان وكان فيه متاع، فوقع الحريق في سوقنا، فقيل لي، فخرجت أتعرف خبر دكاني، فلقيت رجلًا فقال: أبشر فإن دكانك قد سلم، فقلت: الحمد لله، ثم إني فكرت فرأيتها خطيئة. [تاريخ بغداد]

وفي لفظ: “سمعت السَّرِيَّ رضي الله عنه يقول: منذ ثلاثين سنة وأنا في الاستغفار من قولي: الحمد لله مرة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد فقال لي: نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله، فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت، حيث أردت لنفسي خيرًا مما للمسلمين. [تاريخ دمشق لابن عساكر].

يلامس السّرِيّ رحمه الله في هذه القصة الرفيعة جوهرَ الأخلاق الإسلامية، وهو اتساع القلب للمسلمين جميعًا، ورفض تمييز النفس عنهم في مواقع البلاء، فمجرّد أن نجا متجرُه دون متاجر الناس جعله يستشعر أنه فرِحَ لنفسه بشيء لم يتحقق لغيره، فظلَّ ثلاثين سنة يستغفر من هذا الخاطر، لا لحرمةِ الكلمة نفسها، ولكن لِمَا أحسّ في قلبه من تفضيل النفس على عموم المسلمين.

وإذا كان أهل الله يخافون من مجرّد خاطر قلبيٍ يفضّل النفس على غيرها، فكيف بمن يمدُّ يده إلى المال العام الذي هو ملك لأمَّة بأسرها؟!

المال العام ليس مالَ فردٍ حتى يتصرّف فيه كما يشاء، بل هو حقّ مشترك، وكلّ اعتداء عليه هو اعتداء على حقوق الملايين.

والسّرِيّ رحمه الله يعلِّمنا هنا أن المؤمن الحقيقي يتألَّم للأمة كما يتألّم لنفسه؛ فكيف يُقبَل من مؤمن أن يسرق أو يختلس أو يهدر مالًا لو ضاع على واحدٍ من المسلمين لآلمه ذلك؟ فإذا كان الرجل استغفر ثلاثين سنة لأنه فرح بنجاة حانوته وحده، فكيف بمن يبني مصالحه الخاصة على حساب الناس، أو يعطّل منفعة عامة من أجل منفعة شخصية؟!

وإليك بيان كيف عالجت الشريعة الإسلامية قضية المال العام.

  • المال العام ..المفهوم والمعنى:

أوْلَتِ الشريعة الإسلامية عنايةً خاصة بقضية المال والحفاظ عليه، حتى جعلته مَقصِدًا من مقاصدها الكبرى، (حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال) سواء كان المال متعلقًا بفرد، وهو المال الخاص، أو كان متعلقًّا بالأمة والمجتمع، وهو المال العام.

ويقصد بالمال العام: موارد الدولة، وخيراتها، ومقدّراتها، وممتلكاتها، وخدماتها، ومرافقها، وما يُحصَّل من الضرائب والزكوات والمشاريع العامة، وسُمِّي عامًا لأنه حقٌّ مشترك، لا يختص به شخص بعينه، بل ينتفع به مجموع الأمة.

وعليه فالمنشآت العامة، والمؤسسات والمرافق، ووسائل المواصلات العامة، والأموال التي تجمع للمنافع العامة في الدولة كالضرائب وغيرها، كل هذا مال عام ينبغي علينا زيادته والحفاظ عليه.

  • الإسلام ورعاية المال العام:

إن من دلائل كمال هذا الدين، وحكمته، وشموله، أنه بسط عنايته إلى كل ما تقوم عليه حياة الأمة من حقوق ومصالح، وفي مقدمة ذلك: المال العام باعتباره عصب العمران، وأساس قوة الدول ونهضتها.

وقد أَوْلَى الإسلامُ هذا المالَ مكانةً رفيعة؛ ومن مظاهر هذه العناية: أنه صانه بالأمر بالحفاظ عليه والتحذير من المساس به، ووضع له من القواعد والضوابط ما يجعل الاعتداء عليه اعتداءً على حق الأمة كلِّها، فعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» [رواه البخاري].

قال شيخ الإسلام ابن حجر: أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها. [فتح الباري].

كما اعتبره من الأمانة التي عظم الله شأنها، وأمر بأدائها، وحذر من خيانتها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: ٨]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧]

يقول الطاهر ابن عاشور: وللأمانة شأن عظيم في استقامة أحوال المسلمين، ما ثبتوا عليها وتخلقوا بها، وهي دليل نزاهة النفس واعتدال أعمالها، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إضاعتها والتهاون بها، وأشار إلى أن في إضاعتها انحلالَ أمر المسلمين، ففي [صحيح البخاري] عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين: رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا «أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي ‌جَذْرِ ‌قُلُوبِ ‌الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ«يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيه أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ»، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان، إذ قال في آخر الإخبار عنها «وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان»، وحسبك من رفع شأن الأمانة: أن كان صاحبها حقيقا بولاية أمر المسلمين، لأن ولاية أمر المسلمين أمانة لهم ونصح، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أوصى بأن يكون الأمر شورى بين ستة (ولو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لعهدت إليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له إنه أمين هذه الأمة). [التحرير والتنوير]

وعن الأمر بأداء الأمانة يقول الإمام الرازيأمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور، سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات، أو من باب الدنيا والمعاملات، وأيضا لما ذكر في الآية السابقة الثواب العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكان من أجل الأعمال الصالحة الأمانة؛ لا جرم أمر بها في هذه الآية … ويدخل فيه جميع أنواع الأمانات.

واعلم أن معاملة الإنسان إما أن تكون مع ربه، أو مع سائر العباد، أو مع نفسه، ولا بد من رعاية الأمانة في جميع هذه الأقسام الثلاثة، وقال ميمون بن مهران: ثلاثة يُؤَدَّين إلى البر والفاجر: الأمانة والعهد وصلة الرحم، وقال القاضي: لفظ الأمانة وإن كان متناولا للكل إلا أنه تعالى قال في هذه الآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فوجب أن يكون المراد بهذه الأمانة ما يجري مجرى المال، لأنها هي التي يمكن أداؤها إلى الغير. [مفاتيح الغيب]

  • الشرع الشريف وحرمة المال العام:

حذر الشرع الشريف من أكل الأموال بغير حق، سواء أكان مال اليتيم أو أموال الناس بالباطل، أو مالا عامًّا، وسمى النوع الأخير بعدة أسماء، منها الغلول، وهو كما يقول شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني: الغلول، أي: الخيانة في المغنم، قال ابن قتيبة: سمي بذلك؛ لأن آخذه يَغُلُّه في متاعه، أي: يخفيه فيه، ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر. [فتح الباري]

قال تعالى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: ١٦١]

ويقول الإمام ابن كثير: “وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضًا في أحاديث متعددة” [تفسير القرآن العظيم]

وروى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ (صوت الغنم)، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ (صوت الفرس)، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ (صوت البعير)، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ (الذهب والفضة)، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ (الثياب)، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ» [رواه البخاري].

قال الإمام ابن بطالقال المهلب: هذا الحديث على سبيل الوعيد من الله لمن أنفذه عليه من أهل الغلول، وقد تكون العقوبة حَملَ البعير وسائر ما غلَّه على رقبته على رؤوس الأشهاد وفضيحته به، ثم الله مخير بعد ذلك فى تعذيبه بالنار أو العفو عنه، فإن عذبه بناره أدركته الشفاعة إن شاء الله، وإن لم يعذبه بناره فهو واسع المغفرة، وقوله: (لا أملك لك من الله شيئًا) أى: من المغفرة والشفاعة حتى يأذن الله في الشفاعة لمن أراد، … وفيه: أن العقوبات قد تكون من جنس الذنوب. [شرح صحيح البخاري]

عن مُعاذِ بن جَبلٍ رضي الله عنه، قال: بَعَثني رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى اليَمنِ، فَلمَّا سِرْت، أرْسلَ في أثَرِي، فَرُدِدْتُ، فقال«أتَدْرِي لمَ بَعثْتُ إلَيْكَ؟ لا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي، فَإنَّهُ غُلُولٌ، ‌ومن ‌يَغْلُلْ ‌يأْتِ ‌بِما ‌غَلَّ يَوْمَ القِيامةِ، لِهذا دَعَوْتُكَ، فَامْضِ لِعَملِكَ» [رواه الترمذي].

عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَن استعمَلْنَاهُ منكم على عمَلٍ، فَكَتَمَنا مَخِيطاً فما فوقَه؛ كانَ غُلُولاً يأتي به يومَ القيامةِ». [رواه مسلم] قال ابن الملَك: “وفي الحديث: تحريضٌ للعمال، على الأمانة وتحذير من الخيانة وإن كانت في شيء قليل“. [شرح المصابيح]

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» [رواه مسلم].

فلْيوقنِ العبدُ أنه مسئول، وموقوف أمام الله ليحاسبه عما قدّم وأخّر، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتِمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: ٩٤].

  • لَحْمٌ نَبَتَ من سُحتٍ .. النَّارُ أَولَى به:

عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«… يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» [رواه الترمذي وحسنه].

هذا من أعظم النصوص التي تُظهر خطر أكل المال الحرام، وخصوصًا المال الذي لا يملكه الإنسان ولا يحق له أخذه، وفي مقدّمته المال العام الذي جعله الإسلام مشاعًا بين الناس وحقًا للأمة جميعًا.

فالسُّحت: كل مال خبيث محرم، ويدخل فيه الرشوة، والغُلول، والسرقة، وأكل أموال الضعفاء، وكل مال يأخذه الإنسان بغير وجه حق.

وإذا كان هذا الوعيد الشديد يلحق من نبت لحمه من مال حرام خاص، فكيف بمن يقتات على المال العام الذي يتعلق بحقوق الملايين؟!

إن من يَمُدُّ يده إلى المال العام يأخذ ما لم يأذن الله به، ويستحلُّ مالًا هو ملكٌ للجميع، ويصيب الأمة في مواردها، ويقطع عن الفقراء والمستحقين نصيبهم، فيدخل في وصف السحت من أوسع أبوابه، لأن جرمه ليس على فرد واحد، بل على المجتمع كله.

بل إن من يرضى بالحرام، أو يأخذ شيئًا ليس من حقه، أو يتلف شيئًا ما، فإن صاحبه سيكون خصيمًا له يوم القيامة، فما بالنا بمن يضر بالمال العام، الذي هو حق للناس كافة، فلا شك أن الذنب أعظم، والحرمة أشد وآكد، وسيكون الجميع خصماء له يوم القيامة؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ سيدنا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ«أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ«إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» [رواه مسلم].

فالمال العام نار تكاد تحرقك إن لم تتق الله تعالى فيه، وهو من الغلول المحرم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ، قَالَ: فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ وَادِي الْقُرَى، وَقَدْ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى، فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا»، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ» أَوْ قَالَ: «شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» [رواه البخاري].

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ«مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ«وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [رواه مسلم].

فمَنْ سوَّلَتْ له نفسُه فأخَذ مالًا من المال العام بأي وسيلة، فعليه أن يتوب إلى خالِقه قبل الممات، وأن يتحلل من هذا المال الحرام بإعادته إلى خزينة الدولة بمثله أو بقيمته إن كان متقوماً؛ فعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» [رواه ابن ماجه].

ولتعلم أن الله تعالى سائلك يوم القيامة عن “المال العام”، فأعد للسؤال جوابًا؛ فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» [رواه الترمذي وحسنه].

  • هذا لكم وهذا أُهديَ إليَّ:

إن الوظيفة التي ولاك الله تعالى إياها تكليف من الله تعالى لك، ويجب أن تقوم فيها بحقها، فلا تستغل مكان عملك في أن تأخذ شيئًا ليس من حقك، ولتجعل بينك وبين الحرام حجابًا، ولتكن في عملك خادمًا للخلق مساعدًا لهم، واعلم أن تضييع المال العام من أبشع الجرائم؛ لأن الموظف مؤتمن عليه، فوجب عليه أن يراعي ما تحت يده وإلا كان خائنًا للأمانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[الأنفال: ٢٧].

وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الخَازِنُ الأَمِينُ، الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ، أَحَدُ المُتَصَدِّقِينَ» [رواه البخاري].

وقال صلى الله عليه وسلم«مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [أَخْرَجَهُ مسلم].

وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ«مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ«اللهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟» مَرَّتَيْنِ. [رواه مسلم].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: اشْتَرَيْتُ إِبِلًا وَأَنْجَعْتُهَا إِلَى الْحِمَى -أدخلتها أرضاً مخصصة لرعاية الإبل-، فَلَمَّا سَمِنَتْ قَدِمْتُ بِهَا، قَالَ: فَدَخَلَ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ السُّوقَ فَرَأَى إِبِلًا سِمَانًا، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ الْإِبِلُ؟، قِيلَ: لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بَخٍ بَخٍ ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَجِئْتُهُ أَسْعَى فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: “مَا هَذِهِ الْإِبِلُ؟”، قَالَ: قُلْتُ: إِبِلٌ أَنْضَاءُ اشْتَرَيْتُهَا وَبَعَثَتُ بِهَا إِلَى الْحِمَى أَبْتَغِي مَا يَبْتَغِي الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: فَقَالَ: “ارْعَوْا إِبِلَ ابنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، اسْقُوا إِبِلَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ اغْدُ عَلَى رَأْسِ مَالِكَ، وَاجْعَلْ بَاقِيَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. [السنن الكبرى للبيهقي].

  • السلف الصالح.. وصور من المحافظة على المال العام:

لقد ربَّى سيدنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيل الصحابة الأوائل على مبدأ الورع والتحري الدقيق في المال الذي يدخله الإنسان على أهله، فعَنْ سيدنا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: “يَا عَائِشَةُ انْظُرِي اللِّقْحَةَ الَّتِي كُنَّا نَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا، وَالْجِفْنَةَ الَّتِي كُنَّا نَصْطَبِحُ فِيهَا، وَالْقَطِيفَةَ الَّتِي كُنَّا نَلْبَسُهَا، فَإِنَّا كُنَّا نَنْتَفِعُ بِذَلِكَ حِينَ كُنَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا مِتُّ فَارْدُدِيهِ إِلَى عُمَرَ”، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكَ. [رواه الطبراني في “المعجم الكبير”].

وروى قَتَادَة فقَالَ: كَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى بَيْتِ مَالِ عُمَرَ فَكَنَسَ بَيْتَ الْمَالِ يَوْمًا، فَوَجَدَ فِيهِ دِرْهَمًا فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنٍ لِعُمَرَ، قَالَ مُعَيْقِيبٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِي، فَإِذَا رَسُولُ عُمَرَ قَدْ جَاءَنِي يَدْعُونِي فَجِئْتُ، فَإِذَا الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا مُعَيْقِيبُ أَوَجَدْتَ عَلِيَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ مَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تُخَاصِمَنِي أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الدِّرْهَمِ” [رواه ابن أبي الدنيا في “الورع”].

وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: لما أُتي عمر بخمس الأعاجم قال: لا والله لا يظلني سقف بيت حتى أقسمه، أين ابن عوف وابن الأرقم؟ بيتا عليه، ثم غدا عليه حين أصبح، فكشف عنه، فلما رآه قال: إن قومًا أدَّوا هذا لأمناء. [رواه ابن زنجويه في “الأموال”].

وكان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما يُقرَّب إليه مِسك من بيت المال ليقسمه، فكان يسد أنفه حتى لا تصل إليه الرائحة، فيُقال له: يا أمير المؤمنين، إنما هي رائحة! فيقول: “وهل ينتفع منه إلا برائحته؟”، وكان يأتيه كتاب من أحد ولاته يطلب مالًا لبناء سور حول عاصمة ولايته، فيرد عليه عمر: “وماذا تفعل بالسور؟ حصّنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم”.

وعن عمرو بن مُهاجرٍ، أنَّ عُمرَ بنَ عبدِ العزيزِ كانَ يُسْرَجُ عليهِ الشَّمْعَةُ ما كانَ في حَوائجِ المسلمينَ، فإذا فَرَغَ من حوائجهِمْ أطفأَها، ثمَّ أَسْرَجَ عليهِ سِراجَهُ [رواه ابن زنجويه في “الأموال”].

وعن حفص بن عمر بن أبي الزّبير قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: “أمّا بعد: فكتبتَ تذكر أنّ القراطيس التي قِبَلَك قد نفدتْ، وقد قطعنا لك دون ما كان يُقطع لمن كان قبلك، فأدِقّ قلمك ‌وقاربْ ‌بين ‌أسطرك، واجمع حوائجك، فإنّي أكره أن أخْرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به [حلية الأولياء].

وجاءت أخت بشر الحافي إِلَى أَحْمَد ابْن حنبل رضي الله عنهما وَقَالَتْ: إنا نغزل عَلَى سطوحنا فتمر بنا مشاعل الظاهرية ويقع الشعاع عَلَيْنَا، أفيجوز لنا الغزل فِي شعاعها؟ فَقَالَ أَحْمَد: من أَنْتَ عافاك اللَّه تَعَالَى، فَقَالَتْ: أخت بشر الحافي فبكى أَحْمَد وَقَالَ: ‌من ‌بيتكم ‌يخرج ‌الورع الصادق، لا تغزلي فِي شعاعها [الرسالة القشيرية].

إن ما ذكرناه من ورع السلف الصالح رضي الله عنهم لم يكن تنطعًا منهم أو مبالغة أو غلوًّا، بل كان فهمًا عميقًا لمعنى المسئولية والأمانة، إن المسئولين وكلاء الفقراء والمصالح العامة، وما في أيديهم من الأموال ودائع عندهم، وتصرفهم فيها كتصرف الوكيل والوصي في مال اليتيم، فهل يتجرأ وصي اليتيم على أكل ماله؟، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠]، ومال الأمة أعظم من مال يتيم واحد.

  • التعدي على المال العام… صور ونماذج:
  •  تخريب المنشآت العامة، فقد أوجب الإسلام ضرورة المحافظة على المرافق العامة التي هي ملك للجميع ومنفعتها للعامة، كالطريق العام، والحدائق العامة، والظل النافع، ووسائل المواصلات، والأندية الرياضية والترفيهية …. إلخ، عليك أن تستحضر عظم ما تنفقه الدولة لإصلاح وترميم ما يفسده هؤلاء، ولذا وضع رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدة؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَرَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» [رواه الدارقطني]، وقد نكَّل الله تعالى بهؤلاء المعتدين فقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْي فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣].
  •  “عدم إتقان العمل، وإضاعة الوقت فيما لا فائدة منه: وهذا ناشئ عن ضعف الإيمان؛ إذ الإتقان ثمرة من ثمرات المراقبة، فالمسلم الحق هو الذي لا يراقب رئيسه في العمل، بل يراقب الله تعالى: {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: ٦١]؛ فلنحيي ضميرنا، ولنزد من إحساسنا بالمسئولية، ولنعلم أن أفعالنا مسجلة علينا؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» [رواه البيهقي في “شعب الإيمان”].
  • الاختلاس أو السرقة من ميزانيات الدولة.
  • الرشوة مقابل تسهيلات أو خدمات.
  • الإسراف والتبذير في الإنفاق الحكومي دون مبرر.
  • استغلال المنصب للحصول على مكافآت أو امتيازات غير مستحقة.
  • إهمال الأصول العامة أو استخدامها لأغراض شخصية.
  • لماذا يجب الحفاظ على المال العام؟
  1. لأنه حق مشترك لكل المواطنين.
  2. لأن الاعتداء عليه يسبب الظلم والحرمان لفئات المجتمع.
  3. لأن الاعتداء عليه يؤدي إلى ضعف الخدمات العامة وفساد المؤسسات.
  4. لأنه يعرض المعتدي عليه لعقوبة دنيوية وقانونية وأخروية.
  • الحفاظ على المال العام واجب ديني وأخلاقي واجتماعي ووطني:

أما من ناحية أنه واجب ديني؛ فلأن المال العام أمانة، والاعتداء عليه يعد غلولا وخيانة.

وأما من ناحية أنه واجب أخلاقي؛ فلأن الحفاظ على المال العام يُعبر عن الضمير الحي والنزاهة الشخصية، ولأنه يظهر احترام الإنسان للحقوق المشتركة، ويجسد قيم الأمانة والعدل، ولأنه من الأخلاق الرفيعة أن يُراعي الفرد مصالح الآخرين كما يراعي مصلحته الخاصة.

وأما من ناحية أنه واجب اجتماعي؛ فلأن المال العام يُستخدم في بناء المدارس، والمستشفيات، والطرق، والخدمات التي يستفيد منها الجميع، ولأن الاعتداء عليه يُسبب الحرمان والظلم لفئات المجتمع، ويضعف البنية التحتية، ولأن المجتمع المتماسك هو الذي يحافظ أفراده على مقدراته، ويحاسب المعتدين عليها.

وأما من ناحية أنه واجب وطني؛ فلأن الحفاظ على المال العام هو ثروة الوطن، ويجب أن يُدار بحكمة؛ لتحقيق التنمية والعدالة، ولأن الحفاظ عليه يعزز الانتماء الوطني، ويسهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، والمواطن الصالح هو من يدرك أن حماية المال العام تعني حماية الوطن نفسه.

  • إجراءات عملية للحفاظ على المال العام:
  • أداء العمل الوظيفي بأمانة دون تضييع الوقت أو التحايل.
  • عدم استخدام ممتلكات المؤسسة لأغراض شخصية.
  • ترك أي شكل من أشكال الغلول أو السرقة الصغيرة.
  • الإبلاغ عن أي فساد أو اعتداء على المال العام.
  • الامتناع عن الهدايا المرتبطة بالوظيفة أو المنصب.
  • احترام المرافق العامة وعدم إتلافها.
  • ترشيد استخدام الماء والكهرباء والخدمات العامة.
  • تربية الأبناء على الأمانة وحماية الأموال المشتركة.
  • تعزيز الوعي بخطر التعدي على المال العام.
  • دعم الشفافية والمحاسبة ومنع التلاعب بالموارد.

اللهم ارزقنا الحلال الطيب وبارك لنا فيه، واجعل بيننا وبين الحرام حجابًا، واحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء إنك على كل شيء قدير.

الخطبة الثانية

التفكك الأسري

إن التفكك الأسري ظاهرة اجتماعية متنامية تؤثر سلبًا على بنية المجتمع واستقراره، وتنعكس على صحة أفراد الأسرة النفسية والاجتماعية، ويشمل التفكك الأسري الانفصال، الطلاق، التنافر الأسري، وضعف التواصل بين أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأطفال والزوجين والمجتمع ككل.

وتهدف مبادرة صحح مفاهيمك” إلى توعية المجتمع بأسباب التفكك الأسري وآثاره، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تؤدي إليه، من خلال خطاب دعوي وتوعوي يركز على قيم الأسرة والتماسك الأسري.

إن التفكك الأسري مشكلة خطيرة تهدد أمن المجتمع كله، ولعل أهم أسباب التفكك الأسري تكمن في عدم العلم بعدة أشياء:

  • عقد الزواج .. الميثاق الغليظ:

قال تعالى في عقد الزواج: {وَكَيْفَ تَاًخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: ٢١].

أَي: مؤكدًا مشددًا، هذا الميثاق الذي يهدف إلى تحقيق قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩].

فالحفاظ عليه وصيانته دليل على حسن تدين صاحبه، والإفراط فيه والتهاون به دليل على تفريط صاحبه، فعن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانًا ثُمَّ قَالَ«أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟» [رواه النسائي].

وقَالَ رجلٌ لابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِئَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “طَلُقَتْ ثَلاَثاً، وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا. [موطأ مالك].

فانظر كيف عدُّوا من بالغ في فصل هذه العلاقة، معتديًا على حرمتها، غير مقدِّر لمكانتها؛ بأنه اتخذ آيات الله هزوًا.

  • كل حقٍّ يقابله واجب:

فمن الأخطاء التي تؤثر على علاقاتنا الأسرية: أن كل واحد يبحث عن حقه فقط دون النظر إلى الواجب الذي عليه، فالزوجة تبحث عن حقها فقط، والزوج يبحث عن حقه فقط، والأولاد يبحثون عن حقوقهم فقط، وهذا يعد من أكبر أسباب وجود المشكلات الأسرية في البيت المسلم، فعلى كل فرد من أفراد الأسرة أن يعلم أن له حقًا وعليه واجب.

والقاعدة في ذلك: “لا تطلب الحق قبل أن تؤدي الواجب الذي عليك، فقد تشكو الزوجة من زوجها في أمرٍ ما دون أن تنظر إلى تقصيرها تجاه زوجها، وقد يشكو الزوج من زوجته في أمرٍ ما دون النظر إلى تقصيره في واجبه الذي عليه، وكذا الأولاد ينظرون إلى بعض أصدقائهم فيرون أن آباءهم منعوهم أشياء كثيرة، بينما لم ينظر إلى واجبه في الأخلاق والطاعة والمذاكرة ونحوها.

ويجب على الزوج -أصالة- أن يكون ناصحًا لزوجه آمرًا لها بالمعروف والحسنى، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: ١٣٢]، وأمر الزوج بهذا إنما هو لأجل قوامته وولايته عليها، ولكنه حق مشترك بحيث يجب على المرأة أن تقوِّم زوجها عند الخطأ، وأن تذكِّرَه بالله على الدوام، وأن تعينه على الطاعة ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.

فإذا قامت فلسفة الأسرة المسلمة على هذا العماد رأيت البيت المسلم في أبهى وأحلى صورة.

 

 

  • لا يفرك مؤمن مؤمنة:

فما يقال وقت الغضب والخلاف يُطوى ولا يُروى، وليظل الود والحب قائمًا بين الزوجين، وما أجمل قول أبي الدرداء رضي الله عنه لزوجته: إذا رأيتني غضبت فرضني، وإذا رأيتك غضْبَى رضيتك، وإلا لم نصطحب [روضة العقلاء].

فليحلم كل من أفراد الأسرة على الآخر إذا أخطأ، وليبادر بالنصيحة إذا تجاوز، فإن كره أحد من الآخر خلقًا فليحب منه خلقًا آخر، وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ» [صحيح مسلم].

  • عدم المصارحة بالمحبة قطع للود بين أفراد الأسرة:

من الخطأ أن يحب الزوجان أو أحدهما الآخر ولا يصارحه بهذا، فإن المصارحة بهذا تدخل السرور، وتظهر الإحسان، وتبني الرحمة، وتؤسس المودة، وتُبقي الود، وهو من العشرة بالمعروف.

وكذلك مع الأولاد، فلا بد من ذكر كل ما يؤدي إلى تأليف القلوب، ولتكن أفعالك مصاحبةً لأقوالك، فلو حدث خلافٌ بين زوجين يومًا، فقال أحدهما للآخر: لا يمكنني العيش بدونك، أو قال كلمة أو فَعل فِعلًا يدلل على محبته لانتهت المشكلة في حينها، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى» قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ«أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ. [صحيح البخاري].

فلا تُلْهِكما متاعب الحياة ومشاقها أن يقول للآخر: أحبك، ولا يظننّ أنه موكل بغذاء الجسد فقط؛ بل عليك غذاء الروح كذلك، وكما يقولون: قلب المرأة قيثارة لا تبوح بأسرارها إلا لمن يعرف كيف يحرك أوتارها، والمرأة هكذا مع الزوج، فهو من الحقوق المشتركة.

وإدخال السرور على أي أحد قربة عظيمة، أما من الزوج على زوجه أو الزوجة على زوجها فأعظم، ولتتأمل ما جاء عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، حين قالت: إنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، قَالَتْ: فَاطَّلَعْتُ مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ، فَطَأْطَأَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَيْهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَاتِقِهِ حَتَّى شَبِعْتُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. وفي رواية: فَقَالَ لِي«أَمَا شَبِعْتِ؟» فَجَعَلْتُ أَقُولُ: «لَا، لِأَنْظُرَ مَنزِلَتِي عِنْدَهُ» [رواه الترمذي: وقال حسن صحيح].

هذه الأمور وغيرها مما يجب مراعاتها لنقي مجتمعنا مشكلات لا حصر لها كالمخدرات، وأطفال الشوارع، وتدني الأخلاق وغيرها من المشكلات الخطيرة التي تنجم عن التفكك الأسري.

  • إجراءات عملية لمواجهة التفكك الأسري:
  • تعميق التواصل الأسري، بتخصيص وقت يومي للحوار الهادئ بين الزوجين والأبناء.
  •  حلّ الخلافات مبكرًا، وعدم ترك المشكلات تتراكم، واعتماد مبدأ المصارحة بدل الصمت أو الهروب.
  • تعلم مهارات التعامل الزوجي، كالاستماع، واحترام المشاعر، وإدارة الغضب، وفنّ الاعتذار.
  • الالتزام بالعدل بين الأبناء، وتجنّب التمييز أو المقارنة، لأنها تولّد الغيرة وتُضعف الروابط.
  • وضع نظام أسري واضح، وتحديد أدوار كل فرد، وتنظيم الوقت، والاتفاق على مسئوليات البيت.
  • إشاعة المودة والرفق، والحرص على الكلمة الطيبة، والإطراء، وإظهار التقدير المتبادل.
  • تعزيز الجانب الديني والأخلاقي، بالصلوات جماعة في البيت، وقراءة القرآن، وغرس القيم المشتركة.
  • تقليل الانشغال بالأجهزة، ومنع العزلة الإلكترونية، وتخصيص أوقات خالية من الهواتف.
  • التعاون في الأنشطة المشتركة، كوجبات الطعام، والزيارات، والرحلات، وأعمال البيت.
  • الاستعانة بالمتخصصين عند الحاجة، ومراجعة مستشار أسري أو عالم ثقة قبل الوصول لمرحلة الانفصال.
  • دعم الروابط مع العائلة الممتدة، كصلة الأرحام، والاستفادة من خبرات كبار السن وحكمتهم.

ولننتبه! فإن التفكك الأسري تحدٍّ كبير يهدد استقرار المجتمع وقيمه.

وتقدم مبادرة صحح مفاهيمك خطابًا متكاملًا، يسعى إلى بناء أسرة قوية متماسكة تحافظ على نسيج المجتمع، وتربي أجيالًا صالحة قادرة على مواجهة تحديات الحياة.

  • استقبال شهر رجب:

شهر رجب أحد الأشهر الحرم، وهو أوّل مواسم الرحمة، ومقدّمة الطريق إلى رمضان؛ فيه نزرع النيّات، ونطهّر القلوب، ونستقبل أيامًا تُصلِح ما أفسدته الغفلة. إن رجب ليس مجرد شهر، بل هو جرعة حياة، ونفحة أمل، ونسيمُ استعدادٍ لَطيفٌ. من أضاء قلبه في رجب، تجلّى له رمضان بنورٍ أعظم.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ، قَالَاللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ. [رواه أحمد]

وقد جمع الحافظ ابن حجر العسقلاني جملة مما ورد في فضل رجب وبيَّن درجتها في تبيين العجب بما ورد في فضل رجب”، وقد أفرد الكلام عليه باستيعاب أيضًا الحافظ ابن رجب الحنبلي في “لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف.

ومما ورد في فضل رجب من السُنَّة: ما رواه النسائي وغيره من حديث سيدنا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ«ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ»

 قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في تبيين العجب” فهذا فيه إشعارٌ بأنَّ في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان؛ لذلك كان يصومه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم.

اللهم اجعل لنا في رجب بدء الطريق، وفي شعبان بركته، وفي رمضان تمام النور.

مراجع للاستزادة:

  • دليل الأسرة  “من أجل حياة مستقرة”، إصدار دار الإفتاء المصرية
  • سمات العصر، رؤية مهتم، أد. علي جمعة.

 

 _____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى